-A +A
بدر بن سعود
عبارة خبر عاجل مثيرة ولها جاذبية خاصة، والمحطات المتخصصة في الاخبار حول العالم، افرطت في استخدامها بصــورة راعت الشكــل واهمــلت المضمون، في حـــرب لا تتـــوقف، على السبق الصحافي الباهت، الـذي قد يعمــر لدقيقـــة او دقيقتيــن في احســـن الاحوال.
فالقـــاعدة ان الخبـر العاجل ينقل حدثاً جديداً، مفاجئاً ومأساوياً، مثل الكوارث الطبيعية واحتجاز الرهائن، وليس مناسبات مجدولة كالمؤتمرات الصحافية والخطابات السياسية، والدراما الموجودة في كلمة «عاجل» تلعب على فكــرة التشويق واغراء التوقعات، على سبيل المثال، نقلت بي بي سي نيوز24، سكاي نيوز و محطة اخبار آي تي في، يــوم 27 يــوليو 2004 خبراً عاجــلاً من رويتـرز عن وجود قنبـــلة في طائـــرة تابعة لخطوط يونايتـــد ايروايز، تقوم برحلة بين سيدني ولوس انجليس، ورغم تراجع الوكالة، و نزول الطائرة بسلام في المطار الامريكي، الا ان سكاي نيوز، الرائدة في مجال الاخبار العاجلة، و صاحبة الاعلان التسويقي الشهير، الذي يظهر فيه مراسلها آدم بولتون من امام 10 دوانينغ ستريت، وهو يقاوم الثلج وظروف الطقس الصعبة، حتى يكون على مقربة من الاخبار وينقـــلها اولاً بأول، استمرت لساعة في وصفه بالعاجل، في حيلة صحافية لاحياء القصة الميتة، وبعذر انضمام متابعين جدد لم يعرفوا بعد بالخبر الكاذب...!

الاخبار العاجلة مهمة للتغطيات الحية ويعتقد ريتشارد لامبرت(2002) بأنها احد الاسباب الاساسية لقيام المحطات الاخبارية، ما يفسر استثمار سكاي نيوز لها في تقديم اخبار لا تستحق التغطية اصـلاً...!
ثم ان هناك من يشكك في قيمة المحطات الاخبارية، ويرى ان نشراتها لاتختلف عن المواجز الاخبارية في المحطات التقليدية العامة، وانها مشغولة بالطبيعة الحية للتغطيات، اكثر من اهتمامها بالمعلومات الجديدة في الخبر، اي انها تحرص على تكوين انطباع عند المشاهد، بانه حاضر في مركز الحدث وقت وقوعه، حتى ولو كان الحضور يلخص ما حدث او يتأمل المكان، ويمكن القول وبارتياح العارف، أن المتابعة المباشرة للاخبار الحقيقية في المحطات الاخبارية استثناءً وليس قاعدة...!
كما تتهم المحطات الاخبارية، باعتمادها على الاشاعات و التخمين في اخبارها، و احتمال اهمالها للمعايير الصحافية قائم جداً، في رحلة بحثها عما تشغل به ساعات البث الطويلة، فقد كتبت الصحافية آن ليزلي في جريدة ذي ديلي ميل البريطانية يوم 30 يناير 2004 بأن الطلب المتزايد على الاخبار في هذه المحطات قد يؤدي احياناً الى حالة من الإرباك...!
المسألة الاخرى، ان غــالبية محطات الاخبـــار فـي العالم، تجــارية، تتبع القطاع الخاص، اي انها تعتبر الاعلان، الا في حالات نادرة، مصــدراً مهماً للدخل، ورغم ان الاعلانات التجارية تعامـل اكاديميـــاً، وكأنها خالية من المضمون الجاد، الا ان لها قيمة انتاجيــة، لا تقل عن قيمـــة البـــرامج التي تبث خـلالها، ولا يمكن بأي حال تبرئة الاعلانات من شبهة الايديولوجيا، بالذات وان الماركات التجارية يعلن عنها تحت شعار المحطة الاخبارية، وتفترض دائماً بأن المشاكل الشخصية والاجتماعية قابلة للحل عن طريق الاستهلاك، مع العمل بشكل موازٍ على حجب وجهات النظر المنتقدة للماركة او الجهات المعلنة عنها، وفي بعض المحطات العربية الاخبارية مثال صارخ وصريح على هذا التوجه، و هو مطابق لما يراه جستــن لويس وآخرون (2005) مــن أن الاعــلانات ليست مجـرد فـــواصل مفـــرغة من المحتوى الايديولوجي، وانما وســائل مهمـــة للتحــريض علي الايديولوجيا او التــوقف عنها، خصوصاً في القضايا المعاصرة كالعولمة والبيئة. بمعنى انه اذا كانت الاخبار، بالمفهوم النظري، وسيلة للحوار مع المشاهد، فإن المحطات الاخبارية التجارية او الخاصة تركز على البعد الاستهلاكي في هذا الحوار...!
كذلك التركيز، في المحطات الاخبارية، على السياسيين والصحافيين، بصورة مكثفة، في التعليق على الاخبار وتحليلها، قد يعطل الرأي المختص، ويسهم في تكوين وجهات نظر غير سليمة او ملتبسة عن موضوعات الاخبار...!
تقول الاحصاءات(2004) بأن ثلث من يحق لهم الانتخاب في امريكا، او بتعبير اخر اربعة من كل عشرة امريكيين، يتابعون الاخبار في المحطات المتخصصة، و هم في العادة ليست لديهم خلفية كافية عنها، و الاخبار ربما لا تساعدهم على الفهم، لأن تحليلاتها في الغالب ضيقة، وتتناول أفكاراً عامة، ولا تضع الخبر في سياقه التاريخي، او توضح خلفياته، او تقارنه بالمعروف، او تستعين بالارقام للتفسير، والدليل طريقة تناول المحطات الاخبارية لسرقة الاثار التاريخية العراقية بعد سقوط بغداد (2003).
ما لم نقل بأن المقــابلات الحيــة او المسجلــة، مع الضيـوف او اصحاب الاختصاص المجازي، تخلط بين التعليق والتحليل، ولا تقدم ايضاحات بقدر ما توفر مادة لصناعة اخبار ساخنة جديدة، قد تتحول الى عناوين رئيسية في نشرات لاحقة.
في جريدة ذي اندبندنت البريطانية يوم 31 يناير 2005، كتب أين بيرل، مدير محطة اخبار آي تي في، بأن ما تحتاجه محطات الاخبار في الوقت الحالي، هو اعطاء سياقات للاخبار وتحليلها واستقبال الآراء حولها، وليس تقديم نشرات متتالية لا شكل لها...!
محطات الاخبار تدور حول ما اسمته بيبا نوريس (2000) بـ الفرتشوس سيركل...!
binsaudb@ yahoo.com